يبدو أن جماعة اكزناية لم تعد تحتاج إلى مجلس جماعي، بل إلى فريق متخصص في فك ألغاز ما يجري داخل أسوارها، المشهد الذي تابعناه خلال دورة أكتوبر 2025 يطرح سؤالاً كبيراً: هل تُدار جماعة اكزناية بمنطق المؤسسات، أم بعقلية السبعينات حيث كانت تُعقد الاجتماعات دون حضور المجتمع المدني أو الإعلام؟
منذ متى أصبح الصحفي عدواً للمجالس المنتخبة؟ ومنذ متى تتحول دورات المجالس إلى قاعة سرية وكأننا ندبر شركات تجارية لا مؤسسات عمومية؟
بولعيش يغلق الباب في وجه الصحافة
الخميس 2 أكتوبر، وجد الصحفيون أنفسهم أمام أبواب موصدة، وكأنهم يحاولون اقتحام مجلس جماعة، الرئيس محمد بولعيش قرر إغلاق القاعة بلا مبرر، بلا قرار مكتوب، متجاهلاً القانون الذي يقول بوضوح إن جلسات المجلس علنية، القانون التنظيمي رقم 113، 14، المادة 48، لم تُكتب للزينة، لكنها في إكزناية تُعامل كقصيدة شعر يمكن تجاهلها متى شاء الرئيس، حيث أغلق باب الدورة في وجه الصحافة والمجتمع المدني.
الغريب أن من دافع عن الصحافة في تلك اللحظة لم يكن مواطناً عادياً، بل نائب الرئيس رضوان غيلان، خلال انصرافه قبل دقائق من نهاية الدورة، حيث قال بملء فمه إن “المنع غير قانوني” وأعلم الصحفيين أنهم لم يصوتوا على الإغلاق، وأضاف أنه هو نفسه صحفي وسيفتتح موقعاً إلكترونياً بعد نهاية ولايته، ثم انصرف، لكن الأبواب بقيت موصدة كما هي.
وحتى بعد انتهاء الدورة، اختبأ الرئيس مباشرة في مكتبه رافضاً مواجهة الصحافة، منافياً لتوجهات وخطابات صاحب الجلالة الملك محمد السادس بالتواصل والشفافية، لكن بعض الصحفيين التقوه خارج الباب الخلفي للجماعة قبل أن يعلمهم أن دورات جماعة إكزناية ستتحول لدورات مغلقة بقرار منه، وكأنه يختار مستقبلاً من يحضر، وكأننا في إدارة مبنى للصناعات الحربية وليس في مرفق عمومي يُدار بأموال المواطنين.
لكن الأجمل أن هذا النائب نفسه غيلان، الذي أبلغ الصحفيين بحقهم في الدخول، سيقوم بعد أيام بإغلاق الباب في وجههم في تتمة الدورة، كأنه يعاني من ازدواجية في المبدأ.
الجلسة الثانية : النائب غيلان يعيد ما بدأه الرئيس
الإثنين 13 أكتوبر، خلال تتمة أشغال الدورة، نفس السيناريو يتكرر، لكن هذه المرة ببطولة النائب رضوان غيلان، حضر الصحفيون باكراً وجلسوا ينتظرون، لكن كاتبة المجلس تدخل القاعة وتطلب منهم المغادرة لأن “الدورة مغلقة”! وعندما سُئلت عن القرار المكتوب، اختفت كأنها لم تكن.
بعد دقائق، بدأت أوراق الدورة تُجمع وتُنقل إلى مكتب الرئيس، قيل من طرف أحد الأعوان أن الباشا ألغى الدورة، فبقي الصحفيون جالسين، ثم قيل إنها مؤجلة لمحاولة تغليطهم ومغادرتهم، وفي النهاية تبيّن أنها انعقدت فعلاً، داخل مكتب مغلق بعيداً عن الصحافة، وبحضور النائب الذي أغلق الباب، هكذا ببساطة، تحولت “الدورة العادية” إلى دورة في الخفاء، كأننا أمام اجتماع مجلس أمني لا مجلس جماعي منتخب.
ماذا يخفي المجلس؟
الجدول الرسمي للدورة كان يتضمن ثماني نقاط ثقيلة: ميزانية 2026، صفقات مع شركة التنمية، تعديلات على دفاتر التحملات، عقارات جديدة لشركة أمانديس، صفقة محطة معالجة المياه العادمة…
الملفان الأهم – الميزانية وتوسعة محطة المعالجة – تم تأجيلهما إلى الدورة الثانية، تلك التي أُغلقت هي الأخرى أمام الصحافة.
ببساطة، كل ما فيه أموال وصفقات نُقل إلى الظلام، هل هو خوف من الرقابة أم رغبة في تمرير قرارات بلا شهود؟ الجواب واضح: عندما تُغلق الأبواب في وجه الإعلام، فاعلم أن في الداخل شيئاً يُراد له ألا يُكشف،
أزمة أخلاق قبل أن تكون أزمة قانون
في إكزناية، لم تعد المشكلة فقط في تطبيق القانون، بل في غياب ثقافة المسؤولية، رئيس ونائب يتبادلان أدوار الإغلاق، كأننا أمام مشهد مسرحي رديء، مرة يغلقها بولعيش باسم النظام، ومرة يغلقها غيلان بطريقة هوليودية، والنتيجة واحدة: لا شفافية، لا إعلام، لا ثقة، وإذا كان هؤلاء يمثلون “النخبة المنتخبة” التي يضع فيها المواطن ثقته، فماذا بقي لك يا وطني؟ لأن من يُخفي المعلومة اليوم، سيُخفي غداً الصفقة، والمستفيد، وربما حتى الحق في الماء والهواء.
مطالب بتدخل الداخلية ومجالس الرقابة
المواطنون أصبحوا يطالبون بتدخل وزارة الداخلية، المجلس الجهوي للحسابات، وولاية جهة طنجة تطوان الحسيمة لمساءلة المجلس، ما يحدث في هذه الجماعة ليس مجرد سوء تنظيم، بل نمط ممنهج من التستر والتضليل.
الملك يطالب المنتخبين بالشفافية والتواصل، والجماعة تغلق الأبواب
هذا الحدث جاء بعد أيام قليلة من الخطاب الملكي السامي الذي شدد فيه جلالة الملك محمد السادس على أهمية الشفافية والمساءلة في العمل الجماعي، مؤكداً أن:
“إن مستوى التنمية المحلية هو المرآة التي تعكس بصدق مدى تقدم المغرب الصاعد والمتضامن، ”
وأضاف جلالته:
“وهي أيضاً مسؤولية الأحزاب السياسية والمنتخبين في مختلف المجالس المنتخبة، وعلى جميع المستويات الترابية، إضافة إلى وسائل الإعلام وفعاليات المجتمع المدني، ”
ما جرى في إكزناية يسلط الضوء على الفجوة بين التوجيهات الملكية والممارسات الفعلية للمنتخبين على الأرض، ويؤكد الحاجة الملحة إلى تعزيز ثقافة الشفافية والمساءلة داخل الجماعات الترابية.
جيل Z 212، ، الشباب يراقب بصمت
وفي الوقت الذي يغلق فيه المسؤولون القاعات، يفتح الشباب هواتفهم ويتابعون، حركة “جيل Z 212” نزلت للشارع لتقول كفى فساداً وكفى انغلاقاً…
من أهم أسباب خروج هذا الجيل للشارع غياب الشفافية، ضعف التأطير السياسي، وسياسة الانغلاق التي تنهجها بعض المجالس، والتي تنفر الشباب من السياسة والسياسيين.
عندما تتحول الجماعة إلى “صندوق أسود”
ما يجري في إكزناية ليس تفصيلاً صغيراً في السياسة المحلية، بل نموذج مصغر لما يفسد الديمقراطية الترابية في المغرب، مجالس تغلق أبوابها، صفقات تمرّ في الظلام، ونواب يتصارعون على الكراسي أكثر من البرامج.
النتيجة؟ مواطن غاضب، شباب فاقد الثقة، وإدارة محلية تعيش خارج التاريخ، وإذا لم تتدخل وزارة الداخلية والمجلس الأعلى للحسابات اليوم، فغداً لن يجد أحد من يُحاسب، لأن الفوضى ستصبح هي القانون.
جماعة إكزناية أغلقت دورتين متتاليتين، بعد أن أغلقت العديد سابقاً خلال ولايتها الحالية منذ انتخابات 2021 أمام الصحافة، لا تُدار، بل تُخطف، وإذا لم تُفتح ملفاتها الآن، فربما نحتاج إلى أكثر من مراقب مالي…

