سكت ظهرًا ونطق توقيعًا، هكذا يمكن تلخيص آخر مناورة لعمدة طنجة، منير ليموري، في ملف ملعب البادل بتجزئة لابريري روز 2.
فقد خرج علينا العمدة بفيديو توضيحي، لنقل: لم يكن توضيحًا، بل مناورة مكشوفة لنفي الاتهام وتحويل كرة النار الملتهبة التي فجّرتها فضيحة ملعب البادل، المبني على أرض كان من المفترض أن تُخصص لألعاب الأطفال، إلى ملعب آخر، في ملعب الوكالة الحضرية و الولاية.
في الفيديو ركّز العمدة على مسألة التفرد بالمسؤولية، نافياً أن يكون هو من منح الترخيص رغم اعتراض الوكالة الحضرية، مؤكداً أن كل شيء تم عبر المنصة الرقمية وأن الجميع وقع، من الوكالة الحضرية إلى قسم التعمير بالولاية، وأن أي رأي سلبي لأي عضو كان سيوقف الملف فورًا، خلاصة كلام العمدة: “أنا آخر من وقع، إذا كان هناك خرق فاسألوا من وقع قبلي”، وهي محاولة واضحة لتحوير النقاش من جوهر القضية إلى شكلها الإداري، من المسؤولية الفردية إلى المسؤولية الجماعية الفضفاضة، وكأن التوقيع الأخير يمحو المخالفات السابقة أو يشرعنها.
لكن صمت العمدة، هو الذي كشف الخروقات الحقيقية، لم يرد على السؤال المحوري: ما هي الوضعية القانونية الأصلية للأرض التي شيد عليها الملعب؟ هل هي ملك خاص كما يدّعي؟ أم أنها فضاء عمومي للألعاب والمناطق الخضراء، واجب تفويته بالمجان للجماعة كما ينص دفتر التحملات؟ لم يوضح كيف تم التحويل ولماذا تم الترخيص لمنشأة قائمة منذ سنتين، قبل صدور أي وثيقة رسمية، وكأن الترخيص جاء ليشرعن وضعاً غير قانوني قائم، لا لترخيص مشروع جديد، لم يتطرق العمدة أيضًا إلى شكايات السكان والتعرضات الرسمية، وكأنها لا وجود لها، رغم أنها تثبت الضرر الذي لحق بالحي والطابع السكني الهادئ.
محاولة العمدة ليموري تمرير كرة النار إلى الوكالة الحضرية وقسم التعمير ليست جديدة، لكنها لا تُغيّر شيئا، المسؤولية القانونية والسياسية تقع على عاتق من يشرف على تطبيق القانون، أي العمدة، وهو المسؤول الأول عن حماية الملك العمومي، وواجباته في التعمير لا تتيح له تبرير الخرق بخرق آخر أو الهروب إلى الوراء بالإشارة إلى توقيعات الآخرين.
ملف ملعب البادل كشف عن ثغرات بنيوية أخطر من مجرد توقيعات على منصة رقمية: ثغرة التفريط في الملك العمومي، ثغرة شرعنة الخرق القانوني، وثغرة ازدواجية المعايير في التعمير بين المواطن العادي وأصحاب النفوذ.
إذا كان العمدة يعرف المساطر والإجراءات جيداً كما يظهر في كل تصريحاته، فلماذا لا يطبقها حين يتعلق الأمر بمصالح المواطنين وحقوقهم؟ لماذا لا تنشر جماعة طنجة نتائج صفقات مشاريعها على منصة الصفقات كما يفرض القانون، بينما تُطبق كل الصرامة على ملفات المواطنين الصغار؟
يبدو أن ولاية طنجة ووزارة الداخلية ستشرع في فتح تحقيق عاجل في هذا الملف، في وقت يترقب فيه الرأي العام بالشمال نتائج لجنة المجلس الأعلى للحسابات من جماعة اكزناية المجاورة لجماعة طنجة، ما يترك الأمور مفتوحة لكل الاحتمالات، الهدف لم يعد معرفة من وقع، بل فهم لماذا وكيف تم التوقيع على خرق واضح ومعلن، وكيف يمكن منع تكراره، كرة النار لم تعد اليوم في ملعب الرقابة الرقمية وحدها، بل صارت في ملعب المسؤولية المباشرة لأول من يُفترض فيه حماية القانون والمرافق العامة في طنجة.

