يبدو أن بعض الخسارات لا تنسى بسهولة، خصوصا حين يرفض صاحبها أن يرى الآخرين ينجحون حيث فشل هو، ويظهر أن المرشح الخاسر في انتخابات عصبة الشمال لكرة القدم ما زال يعيش على وقع خيبة لم يتجاوزها، فاختار أن يحول الفيسبوك إلى منصة انتقامية أكثر من كونها منصة تحليلية، في كل منشور جديد يطل علينا بخليط من السخرية والتلميح المبطن، وكأن صرخاته الرقمية قادرة على قلب الحقائق، بينما الحقيقة الوحيدة التي يتجاهلها هي أن الفشل في الميدان لا يُصلح بالكلمات ولا بالصور ولا بالتعليقات اللاهثة وراء الضوء، ولا حتى بمشاركات تظهره وكأنه “حارس الشرف” أو “الناقد الوحيد” لكل من ينجز شيئًا.
المفارقة الأكثر إيلاما أن تدويناته جاءت مباشرة بعد خبر تعيين عبد اللطيف العافية رئيسًا للجنة المحلية لتنظيم كأس أمم إفريقيا 2025 بمدينة طنجة، التعيين الذي جاء تتويجا لمسار طويل من العمل والانضباط داخل العصبة، ولحسن تنظيم التظاهرات الرياضية، ولمساعي تطوير البنيات التحتية في الشمال، وهو تكليف وثقة شخصية من فوزي لقجع، الذي وضع ثقته في العافية ليقود مهمة وطنية تتطلب خبرة ومسؤولية.
لكن الخاسر في انتخابات العصبة بدل أن يستوعب الدرس، قرأ القرار كاستفزاز شخصي، وكأن نجاح العافية في مهمة وطنية يحاول أن يظلم ظله، فخرج بتدويناته متكررة الغمز والتهكم، موجها سهامه نحو كل ما يتحرك في الساحة، بأسلوب يبدو فيه النقد مجرد وسيلة لتسديد إحباطه الداخلي، وليس محاولة لفهم أو تحسين المشهد الرياضي.
ما يزيد الطين بلة أن انتقاداته لم تقتصر على الشخص أو المهمة، بل امتدت لتشمل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في شخص فوزي لقجع، وفي المكتب الجامعي، وحتى المكلفين بالمعدات، في إشارة ضمنية إلى أن أي إنجاز لا يمر عبره هو إنجاز ناقص، وكأن كل تفصيلة تنظيمية صغيرة هي سبب لإحباطه الشخصي، فهذه الانتقادات مهما بدت عابرة أو انفعالية تكشف عن رغبة في الانتقام الرمزي أكثر من كونها ملاحظات بنّاءة.
الواقع أن من يسعى لتحجيم الآخرين بهذا الأسلوب يفضح عجزه الذاتي، فالعافية الذي يقود اليوم أهم لجنة تنظيمية في حدث قاري بجهة الشمال، لا يحتاج إلى تبرير نفسه فالحقائق والميدان يتحدثان عنه، بينما الخاسر في انتخابات العصبة لا يعرف أحد حتى موقعه الحقيقي في اتحاد طنجة، ويكتفي بالتجول بين جنبات الملاعب حاملا بادجه وكأنه يحاول أن يعلن للعالم أنه “ما زال موجودا”، هذه العقلية التي تجعل من الحضور للظهور هدفا بحد ذاته لا من أجل الفعل، تعكس فهما سطحيا للرياضة والإدارة حيث الصورة أهم من الجوهر والظهور أهم من الإنجاز.
والأدهى أن تدوينة الخاسر في الانتخابات تحمل ما يشبه رسالة مزدوجة، للجامعة الملكية ومكتبها التنفيذي واستصغارا حتى من مهام المكلفين بالمعدات الذي يعتبرون مكونا رياضيا، وهذا يكشف عن عقلية لم تتعلم بعد أن النجاح الجماعي لا يقاس بقدرة الفرد على السيطرة أو بالتصريحات النارية، بل بما ينجز على الأرض، وكل ما يكتب مهما علا صوته لا يعوض فقدان الشرعية التي منحتها صناديق الاقتراع للعافية وفريقه.
فالرياضة ليست تصفية حسابات شخصية ولا وسيلة لتعويض خيبة انتخابية بتدوينات لاذعة أو منشورات استفزازية، المدينة مقبلة على حدث قاري كبير، وكان من المفترض أن يوحد كل من خاضوا التجربة الانتخابية جهودهم ويضعوا طاقاتهم في خدمة التنظيم والإعداد، وأن يقول المرشح الخاسر ” أضع نفسي رهن اشارة العافية، في أي مهمة يضعني بها لإنجاح العرس الكروي” وأكيد أن العافية سيقدر شغفه ويضعه في مكان مميز، لكن بعض الخاسرين يفضلون البقاء في المدار الجانبي يراقبون المشهد من بعيد ويقنعون أنفسهم بأنهم ما زالوا فاعلين، فيما الواقع يقول إن الفعل الحقيقي بعيد عن شاشة الكلافيي.
إن طنجة اليوم بحاجة إلى رجال ميدان أكثر من فرسان الكلافيي، إلى أولئك الذين ينجزون النتائج بصمت، لا إلى من يعلن وجوده بالصراخ والغياب عن الواقع العملي، الفرق بين من ينظم كأس أمم إفريقيا بالجهة ومن يكتب عنها بسخرية هو نفسه الفرق بين الفعل والكلام، الأول يصنع الحدث والثاني يعلّق عليه.
فليت الخاسر في انتخابات العصبة يدرك أن النقد الحقيقي لا يكون بالصراخ وأن احترام المرحلة هو أول خطوة نحو العودة إلى الفعل، وأن القيادة تقاس بما يفعله الإنسان بعد الخسارة لا بما يكتبه أو يعلّق على الحائط الأزرق، وأن طول المنشورات أو كثرتها لا يعوض قصور الأداء، وأن الانتقادات المبطنة التي تهدف إلى التبخيس لا تصنع احترامًا ولا شرعية.
وفي النهاية كما تقول طنجة بوست، هل سيتعلم مرشحو الأمس أن يكونوا مسؤولين اليوم أم سنظل نتابعهم يركضون وراء الضوء حتى يبتلعهم ظلهم.

