في خطوة تهدف إلى إصلاح أحد أكبر الإشكالات التي تؤرق الفاعلين الاقتصاديين، صادق مجلس الحكومة، يوم الخميس، على مشروع قانون جديد يتعلق بمدونة التجارة، يرمي إلى إعادة الثقة في الشيك كوسيلة أداء، وتقليص حجم المتابعات القضائية المرتبطة بالشيكات بدون رصيد.
وأعلن مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أن مشروع القانون الجديد يهدف إلى إعادة تأهيل النظام القانوني للشيك وضمان مصداقيته، مع تعزيز الأمن القانوني والمالي، وتشجيع الاستثمار، وترشيد الاعتقال، وتخفيف العبء عن المحاكم عبر توسيع آليات الصلح والتسوية المالية.
وأشار الوزير، خلال ندوة صحفية أعقبت انعقاد مجلس الحكومة، إلى أن الإصلاح يشمل تعديلات هامة في مواد مدونة التجارة، خاصة المادة 316، حيث كان القانون السابق يُرتّب متابعة قضائية وغرامة مالية بنسبة 25% من قيمة الشيك عند تعسر الأداء، في حين ينص المشروع الجديد على وقف المتابعة تلقائيًا بمجرد أداء قيمة الشيك مع غرامة بنسبة 2% فقط، وهو ما يشكل تحفيزًا مباشرا لتسوية الوضعيات المالية دون اللجوء إلى المسطرة الجنائية.
كما يتضمن المشروع الجديد إمكانية المصالحة في جميع مراحل الدعوى، بما فيها مرحلة تنفيذ العقوبة، حيث يؤدي الأداء أو التنازل عن الشكاية إلى عدم تحريك الدعوى العمومية أو إسقاطها، كما أُدرج الإعفاء من المتابعة في الحالات التي يقع فيها الفعل بين الأزواج أو الأصول، في مراعاة للبُعد الاجتماعي في التعامل مع هذه الملفات.
وقدم بايتاس أرقامًا صادمة تكشف حجم الإشكالية، مستندًا إلى إحصائيات بنك المغرب لسنة 2024، والتي تفيد بتسجيل 30 مليون عملية أداء بالشيك بقيمة تقارب 1319 مليار درهم، من بينها 972,232 حالة رفض أداء بسبب انعدام أو عدم كفاية الرصيد. كما تم تسجيل 180,223 شكاية بين عام 2022 ومتم يونيو 2025، توبع على إثرها 76,936 شخصًا، من بينهم 58,710 في حالة اعتقال.
وأكد المسؤول الحكومي أن هذه الأرقام تعكس “معضلة حقيقية” في التعامل مع الشيك كوسيلة أداء، وهو ما يفرض تدخلاً تشريعياً يعيد التوازن بين حماية الحقوق المالية للمستفيدين وتوفير آليات مرنة لتسوية النزاعات دون المساس بحرية الأفراد.
ويأتي هذا المشروع في إطار التوجهات الاستراتيجية للمملكة الرامية إلى تحديث المنظومة القانونية المرتبطة بالمعاملات المالية والتجارية، لمواكبة التحولات السريعة التي يعرفها مجال الأوراق التجارية، والاستجابة لمتطلبات السياسة الجنائية في مجال المال والأعمال.
ويُنتظر أن يُسهم هذا الإصلاح في تشجيع المواطنين على تسوية وضعياتهم المالية عبر آليات مرنة ومبنية على المصالحة، ما من شأنه أن يُعزز مناخ الأعمال في المغرب، ويُقلص من منسوب القضايا الرائجة أمام المحاكم بسبب الشيكات بدون رصيد، مع تقليص نسبة الاعتقال في مثل هذه الملفات ذات الطابع المدني-المالي.