فرضت احتجاجات الشباب المغربي، بقيادة ما بات يُعرف إعلاميًا بـ”جيل زد”، واقعًا جديدًا على صانعي القرار، بعدما أجبرت الحكومة على تجميد الزيادة الثانية في أسعار غاز البوتان، التي كانت مرتقبة قبل نهاية السنة الجارية، في إطار خطة رفع الدعم التدريجي عن المواد الأساسية.
ورغم غياب إعلان رسمي، تؤكد مصادر مطلعة أن الحكومة اضطرت إلى تعليق هذه الخطوة الحساسة، بعد أن تجاوزت حدة الاحتجاجات توقعات الأجهزة الرسمية، وسط تصاعد في المطالب الشعبية وارتفاع منسوب الغضب الاجتماعي.
ويأتي هذا التراجع في وقت كانت فيه الحكومة قد أعلنت نيتها تنفيذ زيادات تدريجية في سعر قنينة الغاز (12 كلغ) بمقدار 10 دراهم سنويًا، على مدى ثلاث سنوات، بهدف توفير حوالي 6.6 مليارات درهم من موارد الميزانية، بناء على استهلاك سنوي يناهز 220 مليون قنينة.
لكن التطورات الأخيرة، والتي شهدت دعوات صريحة لرحيل الحكومة، فرضت مراجعة الحسابات. حيث اعتبرت دوائر القرار أن المضي في تنفيذ الزيادة في الظرفية الحالية قد يتحول إلى مخاطرة سياسية غير محسوبة العواقب، خاصة مع انتقال الاحتجاجات من الفضاء الرقمي إلى الشارع.
ورغم التصريحات السابقة لعدد من المسؤولين الحكوميين التي مهّدت لخطوة الزيادة، خرج الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، فوزي لقجع، لينفي وجود القرار “على الطاولة” قبل فاتح ماي الماضي، في ما اعتُبر حينها مناورة سياسية لاحتواء الغضب.
ومع استمرار الضغوط الشعبية واتساع رقعة الاحتجاجات، تحاول الأغلبية الحكومية اليوم كسب الوقت، عبر رسائل تهدئة وتطمينات للرأي العام، على أمل إيجاد صيغة “متوازنة” تجمع بين متطلبات الاستقرار الاجتماعي ومواصلة تنفيذ أجندة الإصلاح الاقتصادي.
وتبقى المعادلة معقدة، في ظل فقدان الحكومة لجزء كبير من زخمها الشعبي، واتساع الفجوة بينها وبين فئات واسعة من المواطنين، في وقت تُطرح فيه تساؤلات حقيقية حول الجدوى السياسية والاقتصادية لمواصلة رفع الدعم دون توافق وطني شامل.