تعيش الجزائر خلال الأسابيع الأخيرة على وقع تصاعد غير مسبوق في وتيرة الغضب الشعبي والاحتقان الاجتماعي، في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي أثقلت كاهل المواطنين، ودفعت بآلاف الشباب إلى مغادرة البلاد عبر قوارب الموت، هربًا من الفقر والتهميش وبحثًا عن حياة كريمة في الضفة الأخرى من المتوسط.
ندرة المواد الأساسية، ارتفاع أسعار السلع، البطالة المتفشية، وتراجع القدرة الشرائية، كلها عوامل زادت من حدة التوتر الاجتماعي، في وقت يبدو فيه النظام الجزائري عاجزًا عن تقديم حلول فعّالة للأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد.
وعوض الاستجابة للمطالب الشعبية، اختارت السلطات الرسمية التصعيد، مهددة المحتجين بعقوبات صارمة، في خطوة أعادت إلى الأذهان سياسات القمع التي وُصفت بـ”الحديد والنار” خلال تسعينيات القرن الماضي، حين كانت السلطة تواجه الغضب الشعبي بالقوة عوض الإصلاح.
في المقابل، تعيش هرم السلطة في الجزائر حالة من الارتباك والانقسام، خصوصًا داخل الدوائر المقربة من قصر المرادية، حيث تحدثت تقارير إعلامية عن صراع محتدم بين أجنحة الجيش والنظام السياسي حول مسألة الخلافة وتوزيع النفوذ داخل مفاصل الدولة، ما أضعف قدرة السلطة على إدارة المرحلة وكرّس مزيدًا من العجز المؤسسي.
ويحذر متابعون للشأن الجزائري من أن الوضع ينذر بـ”انفجار اجتماعي كبير” إذا استمرت حالة الانغلاق السياسي وتغوّل المقاربة الأمنية، في ظل تنامي مشاعر اليأس والإحباط داخل المجتمع، وخاصة في صفوف الشباب.
وتعكس موجة الهجرة غير النظامية، التي بلغت مستويات قياسية، حجم فقدان الثقة في المستقبل، بالرغم من كون الجزائر واحدة من أغنى دول المنطقة بالموارد الطبيعية، لا سيما الغاز والنفط. غير أن سوء التسيير، وارتفاع معدلات الفساد، وتبديد المال العام على أجندات خارجية مثل دعم ميليشيات تندوف، زادت من تفاقم الأزمة.
وفي وقت يطالب فيه المواطنون بـ”الكرامة قبل الخبز”، يستمر النظام في توجيه اهتمامه نحو قضايا إقليمية وتصفية حسابات جيوسياسية، بدل الإنصات لصوت الشارع والانكباب على إيجاد حلول ملموسة لمطالب الداخل.
وسط هذه الظروف، تبقى كل السيناريوهات واردة، في ظل انسداد الأفق السياسي والاجتماعي، وغياب مبادرات حقيقية لاحتواء الغليان الشعبي المتزايد.