توفيق بوعشرين
استشهد يحيى السنوار والبندقية في يده، على أرض غزة وليس في أنفاقها، مع مقاتليه وليس وسط دروع بشرية من الرهائن الإسرائيليين، كما روجت الدعاية الإسرائيلية والغربية. على الفور، انتشرت صورة لجثماني السنوار وهو ممدد بين الركام في غزة، وتشبه هذه الصورة تشي غيفارا وهو ممدد وسط قاتليه من كتيبة CIA في بوليفيا.
سيعيش هذا الجثمان الطاهر أطول من قاتلها، وستنبت أرض فلسطين قادة جدد أشد بأسًا وتضحية من هذا الجيل. الأرض التي تروى بدماء الشهادة والفداء لا تعدم الخلف ولا تصاب بالعقم. هناك جيل كامل من ورثة السنوار وهنية والعروري وحسن نصر الله، يشاهدون ما يجري على أرضهم، ويستعدون لحمل المشعل غدًا.
لم يسبق لأي قوة استعمارية أن قضت على حركة تحرر باغتيال قادتها، لأن الذي يغذي المقاومة هو الاحتلال. فقد أصبحت الحركات الفلسطينية تنظم إرادات الأفراد الأحرار، بوجود القضية أمامهم كل يوم وفي مظاهر الاحتلال والعنصرية. فهل سينهي اغتيال السنوار قضية الاحتلال؟ أم هل سيجعل من ضحايا الإبادة الجماعية في غزة والضفة حمائم سلام؟
بالطبع، هذه أحلام إسرائيل. قارنوا بين حماس ياسين وحماس السنوار، وستكتشفون الفارق في إرادة القتال والتنظيم والدور الإقليمي والعالمي. هذه المرحلة تتطلب كفاحًا وشجاعة، ولا يمكن لشخص أن يتسول حريته على باب مغتصبها.
إن الذين يسفهون بطولات المقاومة ويستدلون على وجاهة الاستسلام لإسرائيل بعدد شهداء الفلسطينيين، هؤلاء لا قلب لهم على الذين قتلوا أو الذين جرحوا. بل إن قلوبهم على استقرار الأنظمة المحيطة بفلسطين، وخوفهم من انتقال روح المقاومة إلى شعوب المنطقة.
إسرائيل تخسر كنزها الاستراتيجي. الرعب الذي نشأ في أوروبا بعد اكتشاف المحرقة اليهودية قوبل بشعار: “هذا لن يتكرر مرة أخرى”. ولكن اليوم، يقدم نتنياهو بصورة متطرفة الرد العسكري، بينما تواصل إسرائيل قتل أكثر من 42 ألف فلسطيني وتحويل غزة إلى جغرافية خراب.
هذا الوضع يخلق مأزقًا أخلاقيًا وسياسيًا عالميًا ضد إسرائيل، مما يؤدي إلى ظهور محور جديد ضدها. كما أن الاستراتيجي الفرنسي جيل كيبل ينبه إلى أن النظام الدولي قد تحول ضد إسرائيل بعد تعديها على حقوق الإنسان.
مع تراجع مكانة الغرب ونفوذه، تبرز إسرائيل كمشروع استعماري خاسر. إن الدم الذي أريق على الأرض الفلسطينية سيكون دائمًا أقوى وأبقى.
عن شمالي chamaly.ma