في ظل عالم يتقاطع فيه المحلي مع الدولي، وتتشابك فيه الأزمات العابرة للحدود مع تحديات التنمية الداخلية، يبرز سؤال ملح: هل باتت الجهات المغربية في حاجة إلى أدوات يقظة استراتيجية حقيقية وفعالة؟ وهل يمكن لمثل هذه الأدوات أن تنتقل من مجرد شعارات مؤسسية إلى آليات فعلية للاستباق والتفاعل في الزمن المناسب؟
هذه الإشكالات كانت في صلب النقاشات التي شهدها مقر جهة طنجة تطوان الحسيمة خلال اللقاء التواصلي لإطلاق المرصد الجهوي لليقظة الاستراتيجية والذكاء الاقتصادي والترابي، الذي يأتي كترجمة عملية لمضامين التصميم الجهوي لإعداد التراب للفترة 2022-2027
لكن ما الذي يجعل من هذا المرصد مختلفا عن غيره من المبادرات السابقة؟ وما الضمانات الكفيلة بجعله منصة إنتاج للمعرفة واتخاذ القرار، لا مجرد هيكل إداري آخر يضاف إلى رصيد المؤسسات الجهوية؟
المرصد، بحسب القائمين عليه، يهدف إلى رصد التغيرات المتسارعة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، عبر إعداد دراسات قطاعية، تطوير مؤشرات ترابية، وتوفير بيانات دقيقة لدعم السياسات العمومية الجهوية
ويأتي هذا المرصد أيضا في سياق تزايد الحاجة إلى آليات جهوية قادرة على الاستباق والتفاعل مع أزمات عابرة للحدود، كما أظهرت تجربة انقطاع التيار الكهربائي المفاجئ في إسبانيا والبرتغال، والتي رغم عدم تأثيرها المباشر على المغرب، أعادت إلى الواجهة إشكالية محورية: هل تمتلك الجهات المغربية أدوات يقظة كافية لتحليل واستباق تداعيات أزمات إقليمية قد تمس البنيات الأساسية أو تؤثر على استقرار الخدمات الحيوية؟ فمثل هذه الحوادث تضع على المحك مدى جاهزية الجهات لمواجهة صدمات خارجية ذات تأثير غير مباشر، وتبرز الحاجة إلى أن يتحول المرصد إلى رادار إنذار مبكر وآلية تنسيق فعالة تفعل عند الضرورة وتُبنى على معطيات دقيقة ومتجددة.
المرصد يرتكز على أربعة محاور أساسية: النشر الاستراتيجي، إعداد الخرائط، تنظيم البيانات، وتنشيط اللقاءات. كما يسعى إلى خلق شبكة دينامية من الفاعلين المحليين لتبادل المعارف والخبرات، مما يفتح الباب أمام تجربة جهوية طموحة في مجال الذكاء الترابي.
ومع أن الرؤية التي يقدمها المرصد واعدة، إلا أن تحديات متعددة تظل مطروحة، بدءا من ضمان التمويل المستدام، مرورا بإشكالية تدفق وتحديث المعطيات من مختلف الفاعلين، وصولا إلى قدرة المرصد على إقناع صناع القرار بقيمة ما ينتجه من معطيات ومؤشرات
إن نجاح هذا المشروع لا يرتبط فقط بالهيكلة والتنظيم، بل بوجود إرادة سياسية ترابية تؤمن بأهمية التحول نحو منظومات تخطيط ذكية، تلتقط الإشارات الضعيفة للأزمات قبل تفجرها، وتحول المعطى المحلي إلى أداة اقتراح، تأهيل، وتوجيه استباقي في مغرب الجهات