في وقتٍ حيوي تمرّ به مدينة طنجة، انفجرت موجة جدل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي عقب تداول منشور واحد يتضمن ثلاث صور مصممة باحترافية، يروّج لما قيل إنه “حفلة جنسية جماعية” ستُنظم نهاية الشهر الجاري بطنجة. هذا المنشور، رغم بساطته الظاهرية، يكشف عن محاولة مركّبة ومقصودة للإساءة إلى المدينة وأخلاقياتها.
منشور بتصميم مُتقن.. هل هي حملة مقصودة؟
المنشور لم يكن عشوائياً. الصور الثلاث تم إعدادها بعناية، بألوان قاتمة، رموز إيحائية، وخطوط منتقاة، تُحاكي ما يُعرف في ثقافة الغرب بـ”حفلات BDSM”، وهو أسلوب يستعمل للإثارة البصرية والتشويق الرقمي، وليس فقط للإخبار.
المفارقة، أن أي شخص يرغب فعلاً في تنظيم حفل سري من هذا النوع لا يحتاج لكل هذا العناء في التصميم، بل يكفيه جملة بسيطة مثل: “حفلة ليلية مختلطة، التواصل في الخاص”، دون أي صور أو لفت للانتباه. لكن هنا، المنشور مصمم ليُحدث صدمة ويتناقل بسرعة، مما يُرجّح فرضية أنه أداة ضمن حملة مدروسة لتشويه صورة طنجة وضرب قيمها.
ترويج علني لفعل “سري”؟ تناقض صارخ
بحسب فاعلين رقميين، الطريقة التي تم بها إعداد المنشور تُخالف تمامًا طبيعة الترويج لمثل هذه “الحفلات السرية”. فلا المروجون للمخدرات ولا أصحاب النشاطات غير القانونية يعمدون لنشر منشور عام بثلاث صور فنية ويطلبون التفاعل علنًا. بل يتعاملون غالباً عبر شبكات مغلقة، شفرات رمزية، وتواصل في مجموعات صغيرة ومخفية.
وعي الطنجاويين يفضح السيناريو
الصدمة التي خلفها المنشور لم تكن فقط بسبب مضمونه، بل لسرعة تداوله، ما دفع الكثير من أبناء طنجة لاعتباره محاولة جديدة لتشويه مدينتهم، كما حصل في مناسبات سابقة مع صور مفبركة وادعاءات كاذبة.
ردود الفعل جاءت قوية، منددة ومطالبة بتدخل عاجل من السلطات لتحديد مصدر المنشور، ومحذرة من التمادي في استغلال مفاهيم “الحرية الفردية” كغطاء لنشر الفوضى الأخلاقية.
هل يمكن أن يكون الحفل حقيقياً؟
نعم، من حيث المبدأ، يمكن أن تحدث مثل هذه الأفعال في جميع المجتمعات، تماماً كما تُباع المخدرات وتُرتكب جرائم متعددة، لكنها تبقى دائماً ضمن خانة الممنوعات، وغالباً ما تتدخل السلطات الأمنية لإيقافها، وقد تابعنا في السنوات الماضية أخباراً عديدة عن تفكيك أوكار للدعارة، والمخدرات، وحتى تنظيم حفلات سرية خارجة عن القانون.
لكن المثير للريبة في هذه الحالة، هو طريقة الإعلان. فتنظيم حفل بهذه الطبيعة لا يتم عبر تصميم منشورات أنيقة ونشرها في مجموعات فيسبوك علنية، بل يتم، إن وُجد، في إطار سريّ، يقتصر على قنوات مغلقة يصعب تتبعها. فمن غير المنطقي أن ينشر أحدهم إعلاناً صريحاً لحفل فاحش، يُحدّد فيه التوقيت، ويطلب التواصل في الخاص، وهو يعلم أن أي تحرك علني من هذا النوع سيكون كافياً لاستنفار الأمن والوصول إليه بسرعة، كما لو أن شخصاً يبيع المخدرات قرر الترويج لبضاعته بمنشور عام مع عنوان المحل!
هذا الأسلوب لا يعكس نية حقيقية لتنظيم الحفل، بقدر ما يوحي بـمحاولة مبيتة لخلق بلبلة أخلاقية وتشويه صورة المدينة.
محاولة للتشكيك.. والأمن حاضر بفعاليته
ما لا يمكن تجاهله، هو أن مثل هذه المنشورات المفبركة قد تكون جزءاً من محاولة خبيثة للتشكيك في فعالية الأجهزة الأمنية، والإيحاء وكأن المدينة مفتوحة أمام كل أنواع الانحراف دون رقابة. إلا أن الواقع يُكذّب ذلك، فمدينة طنجة عرفت، على مرّ السنوات، تدخلات حازمة من طرف الأمن الوطني في تفكيك شبكات الدعارة، والإطاحة بمروجي المخدرات، وكشف أوكار الجرائم السرية، وكل ذلك في صمت وفعالية واحترافية عالية.
وهنا، لا بد من توجيه الشكر لرجال ونساء الأمن الذين يسهرون على حماية المدينة من كل ما من شأنه أن يمس بأمنها القيمي والأخلاقي، ويقفون في وجه كل من يحاول نشر الفوضى تحت غطاء الحرية أو عبر التضليل الرقمي. ويقظة المصالح الأمنية في تتبع المنشورات المشبوهة تبقى صمام أمان في وجه مثل هذه المحاولات المريضة.
طنجة تبقى أقوى من التشويه
مدينة طنجة، بتاريخها ووعي أهلها، قادرة على التصدي لكل محاولات العبث، وقد أظهرت في أكثر من مناسبة أنها أرض للقيم والانتماء، لا تُخترق بسهولة بمثل هذه الحملات الرخيصة