أصدر القضاء بالمحكمة الابتدائية بطنجة حكما يقضي بإدانة شخص بتهمة شهادة الزور، بعد أن ثبت تورطه في الإدلاء بمعطيات غير صحيحة خلال التحقيق في ملف جنحي يتعلّق بالضرب والجرح والهجوم على مسكن الغير.
وقضت المحكمة في حق المتهم بشهرين حبسا موقوف التنفيذ، بالإضافة إلى غرامة مالية قدرها 20.000 درهم كتعويض للطرف المدني المتضرر من الشهادة الكاذبة.
ملف بسيط يتحول إلى قضية رأي عام
تعود تفاصيل الملف الأصلي إلى نزاع بين أسرتين داخل إقامة سكنية بمدينة طنجة، بعدما أكدت سيدة تعرضها رفقة زوجها لاعتداء جسدي من طرف جيرانها. الواقعة تم توثيقها بكاميرات المراقبة، وأُرفقت بشهادات طبية تفيد بعجز دام 22 يومًا.
وباشرت الشرطة القضائية تحقيقًا تمهيديًا في الحادث، انتهى بإحالة خمسة أشخاص على المحكمة بتهم تتعلق بالضرب والجرح والهجوم على مسكن الغير، وقد قضت المحكمة ابتدائيًا بإدانة ثلاثة منهم وتبرئة اثنين، قبل أن يتم استئناف الحكم.
القضاء يتحرك في مواجهة الشهادات الكاذبة
أثناء التحقيق، قدّم أحد الشهود رواية أثارت شكوك النيابة العامة، حيث تناقضت أقواله مع التسجيلات المصورة. التحقيقات بيّنت أن الشاهد تعمّد تضليل العدالة بمحاولة تبرئة طرف وإدانة طرف آخر، ما شكّل أساسًا لمتابعته في ملف منفصل بتهمة شهادة الزور.
وبعد الاستماع إليه من طرف هيئة المحكمة، تقرر إدانته بما نُسب إليه، وإصدار حكم يقضي بالحبس شهرين موقوفي التنفيذ وغرامة 20.000 درهم.
ملف النزاع يفجّر قضية جديدة مرتبطة بالسمسرة
لم تتوقف تداعيات الملف الأصلي عند حد الشهادة الكاذبة، بل تفجّر عنه ملف آخر أكثر تعقيدًا، يتعلق بشبهات سمسرة قضائية وانتحال صفة مسؤول قضائي.
في هذا السياق، كشفت الأبحاث عن شخص دخل إلى قاعة التقديم بمحكمة الابتدائية بطنجة خلال تقديم ملف النزاع المذكور اعلاه بين الاسرتين على وكيل الملك، مدعيًا قدرته التدخل في الملف.. حيث زعم أنه قادر على التأثير في مسار القضايا مقابل مبالغ مالية، كما أظهرت تسجيلات صوتية طلبه مبلغ 10.000 درهم من أحد المشتكين بدعوى “حل النزاع”.
في هذا الملف المتعلق بالسمسرة، تابعت النيابة العامة أربعة متهمين؛ يتقدمهم شخص وُجهت له تهمة انتحال صفة وكيل الملك والسمسرة، إلى جانب محامٍ معروف بهيئة طنجة، واثنين آخرين على صلة مباشرة بالنزاع الأصلي.
وبعد عرض الملف على أنظار المحكمة الابتدائية، قضت الأخيرة بإدانة المتهم الرئيسي بعشرة أشهر حبسًا نافذًا، فيما برأت ساحة المحامي من التهم المنسوبة إليه، مع متابعة باقي المتهمين في حالة سراح. ويُشار إلى أن الملف لا يزال قيد الاستئناف بمحكمة الاستئناف بطنجة
العدالة تفتح الملفات على مصراعيها
ويُناقش حاليًا ملفان أمام محكمة الاستئناف بطنجة، يتعلق الأول بملف الضرب والجرح، والثاني بملف السمسرة وانتحال الصفة، فيما ينتظر إدراج ملف شاهد الزور على جدول الجلسات الاستئنافية خلال الأسابيع المقبلة.
ومن المرتقب تقديم الحكم الصادر ضد الشاهد كورقة إثبات في الملف الأصلي، بالنظر إلى كون شهادته كانت خلال سريان الحكم الابتدائي في ملف النزاع بين الاسرتين.
القضاء يواصل مسار الحزم… ومتابعة من النيابة العامة
تعكس هذه الملفات المتشابكة يقظة المؤسسة القضائية في مواجهة كل أشكال التلاعب بالعدالة، سواء عبر الشهادات الزائفة أو انتحال الصفات أو التدخلات غير القانونية. وتشديدها على كل من سولت نفسه القيام بهذه الأفعال.
وأكدت مصادر مطلعة أن رئاسة النيابة العامة بالرباط تتابع مختلف تفاصيل هذه الملفات، انسجامًا مع التوجه الوطني الهادف إلى تعزيز الثقة في القضاء وضمان محاكمة عادلة قائمة على قواعد الشفافية والمساءلة.
وتمثل هذه القضايا المتفرعة مجهودات القضاء المغربي في ضرورة تحصين مسار العدالة، وتعزيز الحزم مع كل من تسوّل له نفسه التلاعب بالمؤسسة القضائية. وقد أبان القضاء عن تفاعل مسؤول ومؤسساتي، واحترامه لمبادئ المحاكمة العادلة وحقوق الدفاع، دون تسرع أو تحامل.