1- التنمية البشرية… إرث من الطموح والتحديات
أطلقت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (INDH) عام 2005 كفلسفة تنموية شاملة بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، ساعية إلى تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية ومحاربة كافة أشكال الفقر وتمظهرات الهشاشة… وعلى مدى 18 عاما، شهدت المبادرة إطلاق برامج متنوعة مثل دعم البنيات التحتية الأساسية، والتعليم، والصحة، وتمكين المرأة والشباب… لكن رغم كل الإنجازات المذكورة، ظلت ثغرات تشوب بعض البرامج الاستراتيجية، كضعف التنسيق بين الفاعلين، وغياب الرؤية المندمجة، وهيمنة الحسابات السياسوية على توزيع المشاريع، ما أدى إلى فشل نسبي في معالجة الفقر المزمن في مناطق معينة.
2- المرحلة الرابعة… نحو تعزيز البرامج الأفقية والقضاء على الفقر والهشاشة عبر SIG وIDT
ستشكل بدون أدنى شك المرحلة الرابعة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، محاولة لإصلاح المسار التنموي عبر التركيز على:
∆. نظام المعلومات الجغرافية (SIG) باعتباره أداة تحليلية تعتمد على البيانات الوصفية والمكانية لتحديد المناطق الأكثر هشاشةً وخصاصًا، كما سيساهم SIG في رسم خرائط دقيقة لتحديد المواقع الاكثر عرضة للفقر والتي تتطلب تعزيزا للخدمات الأساسية (مياه، صحة، تعليم، فك العزلة)، مما يضمن توجيه الموارد بشكل عادل…
∆. برنامج مؤشر الفوارق الترابية (IDT) الذي يندرج في إطار مقاربة تنموية تدمج بين القطاعات المعنية للحد من الفوارق المجالية ترابيا وتحديد سلك اولويةت تنفيذ مقررات النموذج التنموي بغية خلق تنمية محلية مستدامة… ويستوجب المؤشر المذكور اعتماد شراكة بين الجماعات الترابية بالعالم القروي والقطاع الخاص والمجتمع المدني والفرقاء السياسيين لضمان تنزيل الأهداف المتوخاة منه…
3- مؤشر الفوارق الترابية IDT… انتصار للبيانات على السياسة
أحد أبرز أدوات المرحلة الجديدة هو “مؤشر الفوارق الترابية”، الذي يُقاس عبر معايير مثل نسبة الفقر المدقع، جودة البنية التحتية، الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية التربوية، معدلات التشغيل… كما يهدف المؤشر إلى تحويل صناعة القرار من النموذج “السياسوي” (المرتبط بالضغوط الانتخابية) إلى نموذج قائم على التشخيص العلمي مع تحديد الأولويات التنموية بموضوعية، كتوجيه استثمارات أكبر للجهات والمناطق التي تُسجل أعلى معدلات الفقر والهشاشة…
4- آفاق وملامح المرحلة الرابعة من INDH… هل سيصبح SIG رافعة لاتخاذ القرارات وسد الخصاص؟
رغم أن المرحلة الرابعة لم يعلن عنها ولا عن برامجها الاستراتيجية، إلا أنه ومع التعثر والنقائص المتكررة التي يعرفها تنزيل النموذج التنموي من المتوقع أن ترتكز على تعميق استخدام نظم SIG لمراقبة وتقييم أثر المشاريع في الوقت الفعلي والزمن الواقعي علاوة على استخدام وتوظيف أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات لاستشراف الاحتياجات المستقبلية، وتستند هذه البرامج على بناء وتصميم نموذج حكامة ترابية تشاركية مندمجة تضع الرأسمال البشري في قلب الدينامية التنموية عبر تصميم البرامج ووضعها بشكل منزوع الصفة المادية عبر منصات رقمية وتطبيقات ذكية مصممة للغرض…
5- التحديات المطروحة… بين الإصلاح التقني والإرادة السياسية
إن نجاح أية رؤية تنموية او تصور استراتيجي، مرهون بـتجاوز الإشكالات البيروقراطية (بطء إدارات الجماعات الترابية والتعقيدات المسطرية لبعض المصالح اللاممركزة)، بناء قدرات الفاعلين المحليين وتعزيز مهاراتهم التوظيفية للتكنولوجيا المتقدمة خصوصا المتعلقة باستخدام أدوات SIG… ضمان الشفافية في توزيع الموارد وإحقاق العدالة المجالية لتفادي استغلال المؤشرات لأغراض سياسية…
6- جغرافيا العدالة كمدخل للانتصار على الفقر والحد من تمظهرات الهشاشة
لا شك أن دمْج التقنيات الجغرافية والمؤشرات العلمية ضمن برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سيمثل نقلة نوعية في المرحلة الرابعة، لكنه يبقى رهينا بإرادة حقيقية لتحويل INDH من مجرد قسم داخل هيكل تنظيم عمالة الاقليم او ولاية الجهة الى مشروع ملكي نبيل وسياسة عمومية فاعلة تُحاسَب السلطات المختصة على نتائجها… والمغاربة على يقين تام أن المرحلة القادمة ستكون امتحانا حاسما لمصداقية النموذج التنموي المغربي في تحقيق العدالة المجالية….
