فقد المغرب واحدًا من أبرز رجالاته، حيث توفي محمد بنعيسى، وزير الخارجية الأسبق ورئيس جماعة أصيلة، عن عمر ناهز 88 عامًا بعد صراع مع المرض. وكان الراحل شخصية بارزة في المشهد السياسي والدبلوماسي المغربي، كما ترك بصمة قوية في المجال الثقافي والتنموي، خاصة من خلال إشرافه الطويل على تدبير مدينة أصيلة وتحويلها إلى نقطة إشعاع ثقافي عالمي.
الميلاد والتكوين
وُلد محمد بنعيسى في 3 يناير 1937 بمدينة أصيلة، حيث تلقى تعليمه الأساسي قبل أن يغادر إلى مصر لدراسة الصحافة. لاحقًا، حصل على منحة لمتابعة دراسته العليا في الولايات المتحدة، حيث نال الاجازة في الاتصالات من جامعة مينيسوتا عام 1963. وفي عام 2007، كرّمته الجامعة بمنحه شهادة الدكتوراه الفخرية تقديرًا لمسيرته.
المسيرة الدبلوماسية والسياسية
بدأ بنعيسى حياته المهنية في المجال الإعلامي، حيث عمل في الأمم المتحدة ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمدة 11 عامًا، وتولّى عدة مناصب دولية، من بينها ضابط معلومات ومستشار إعلامي في نيويورك وأديس أبابا وأكرا وروما.
عند عودته إلى المغرب، دخل غمار السياسة عبر حزب التجمع الوطني للأحرار، وانتُخب عضوًا في مجلس النواب (1977-1983). كما شغل منصب رئيس تحرير صحيفة “الميثاق”، الناطقة باسم الحزب.
تم تعيينه وزيرًا للثقافة (1985-1992)، حيث لعب دورًا مهمًا في النهوض بالمشهد الثقافي الوطني. ثم تم تعيينه سفيرًا للمغرب في الولايات المتحدة (1993-1999)، قبل أن يتولى منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون (1999-2007)، حيث ساهم في تعزيز علاقات المغرب الدولية.
رئاسة جماعة أصيلة.. أربعة عقود من التنمية
لم يكن بنعيسى رجل سياسة ودبلوماسية فحسب، بل كان أيضًا فاعلًا محليًا بارزًا. شغل منصب رئيس جماعة أصيلة لأكثر من 40 عامًا، حيث انتُخب لأول مرة عام 1984 وظل في هذا المنصب حتى 2025. خلال هذه الفترة، قاد مجموعة من المشاريع التنموية التي ساهمت في تحسين البنية التحتية للمدينة وتحويلها إلى وجهة ثقافية وسياحية بامتياز.
مهرجان أصيلة.. حلم تحول إلى علامة ثقافية عالمية
إلى جانب الفنان التشكيلي محمد المليحي، أسس بنعيسى مهرجان أصيلة الثقافي الدولي، الذي انطلق أواخر السبعينيات وأصبح أحد أبرز الفعاليات الثقافية في العالم العربي وأفريقيا. استقطب المهرجان شخصيات فكرية وأدبية وفنية من مختلف أنحاء العالم، وساهم في تحويل أصيلة إلى مدينة للفن والإبداع.
الجوائز والتكريمات
حصل بنعيسى على عدة جوائز وأوسمة تقديرًا لإسهاماته، من بينها:
- وسام العرش من درجة ضابط كبير (2008).
- جائزة الأغا خان للهندسة المعمارية لمشروع التنمية الحضرية بأصيلة (1989).
- ميدالية بيرو البلدية (2003).
- جائزة الشيخ زايد لشخصية العام الثقافية (2008).
إرث خالد
برحيل محمد بنعيسى، يفقد المغرب رجل دولة، ودبلوماسياً محنكًا، وفاعلًا ثقافيًا ترك بصمة لا تُمحى في مدينة أصيلة والمشهد الثقافي المغربي والعربي. ورغم غيابه، سيظل إرثه حاضرًا من خلال مهرجان أصيلة والمشاريع التنموية التي ساهم في إنجازها، ليبقى اسمه مرتبطًا بمدينة جعل منها نموذجًا للإبداع والتواصل الثقافي.